* شروط إعراب ذو وفو بالحروف *
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف
من ذاك ذو إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا
أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن
وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر
وشرط الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا
هذه القطعة في إعراب الأسماء الستة ، وهي أول باب خرج عن الأصل. قوله: (وارفع بواو وانصبن بالألف واجرر بياء) هذه ثلاثة أفعال كلها تطلب (ما) ، في قوله: (ما من الأسما أصف).
وما: اسم موصول بمعنى الذي وهي: مفعول للأخير من هذه الأفعال الثلاثة ، لأنه تنازع فيها ثلاثة عوامل ، والذي يعمل هو الأخير ، كما قال ابن مالك: (والثاني أولى عند أهل البصرة)، فيكون قوله: (ما من الأسما أصف) مفعولاً لـ (اجرر)، والفعلان السابقان يقدر لهما المفعول تقديراً ؛ لأنّه محذوف.
والمعنى: يقول المؤلف: ما أصفه من الأسماء ارفعه بالواو، وانصبه بالألف، واجرره بالياء. وقوله: (ما من الأسما أصف) ما: هذه اسم موصول كما قلت، وتحتاج إلى صلة، والصلة جملة (أصف).
فأصف: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
ومن الأسماء: متعلق بأصف.
ومعنى (أصف) أذكر.
إذاً: هذه علامات مخالفة لما سبق؛ لأنه فيما سبق يقول: (فارفع بضم) وهنا يقول: (ارفع بواو). وقال: (انصبن فتحاً) وهنا يقول: (وانصبن بالألف). وقال: (جر كسراً) وهنا يقول: (اجرر بياء). وذلك أنه قد قال: (وغير ما ذكر ينوب) يعني: إذا وجدت مرفوعاً بغير الضمة فهو نائب عن الضمة، إذا وجدت منصوباً بغير الفتحة فهو نائب عن الفتحة، إذا رأيت مجروراً بغير الكسرة فهو نائب عن الكسرة. وقوله: (من ذاك ذو إن صحبة أبانا). من ذاك: المشار إليه ما يصفه من الأسماء، فالإشارة هنا تعود إلى (ما). ذو: بمعنى صاحب، ولهذا قال: (إن صحبة أبانا)، يعني: إن أظهر صحبة، فهو من الأسماء الخمسة. لو قال قائل: لماذا احترز بهذا القيد: (إن صحبة أبانا)؟ فجوابه أن نقول: إن (ذو) تأتي لغير معنى صاحب، فتأتي اسماً موصولاً في لغة طيئ، كما قال الشاعر الطائيّ:
فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت
يعني: بئري التي حفرت، وليس معناه: صاحب حفرت. قوله: (والفم حيث الميم منه بانا): الفم معروف، لكن اشترط (حيث الميم منه بانا) أي: انفصل، يعني: يشترط في الفم ألا يقترن بالميم، وإذا لم يقترن بالميم صار النطق به (فو) في حال الرفع. فحذفنا الميم وبقي الفاء فأضفنا إليه الواو علامة الرفع. والمعنى كأنه يقول: من ذاك ذو، ومن ذاك فو. وقد يقال: كيف قال (من ذاك) ومن للتبعيض؟ نقول: لأنه لم يذكر إلا اسمين فقط، وهما: ذو، وفو، فلهذا أتى بمن التي للتبعيض. وأفاد المؤلف رحمه الله بقوله: (حيث الميم منه بانا)، أن الميم قد تبقى، فتقول: فمك، وهي لغة؛ فمثلاً قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـسعد بن أبي وقاص : (حتى ما تجعله في في امرأتك) لو قال أحد من الناس: حتى ما تجعله في فم امرأتك، لصح ذلك. وبناء عليه فإذا كنا نخاطب عامة، فإنا نقول: حتى ما تجعله في فم امرأتك، وهذا من رواية الحديث بالمعنى من أجل البيان، ولا حرج فيه.
إعراب أبو وأخو وحمو وهن بالحروف
قال: (أب أخ حم كذاك). أي: كالمذكور وهو: ذو بمعنى صاحب والفم إذا انفصلت منه الميم. كذاك يعني: أنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء. وهن: أيضاً من الأسماء الستة؛ لأن ابن مالك ذكر ستة أسماء، لكنه فصلها عن أب وأخ وحم لما سيتبين. هن: يقولون إنه كناية عما يستقبح ذكره، فهو كناية مثلاً عن: الفرج، كناية عن الغائط، عن البول، عن العيب. وأذكر كلام علي رضي الله عنه حين بلغه عن ابن عباس ما بلغه قال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات! يعني: على العيب، وذلك أن الشيعة الذين سموا في الأخير رافضة جاءوا علي بن أبي طالب وقالوا له: أنت الله! يقصدون إضلال هذه الأمة لتقع في الشرك. فأمر رضي الله عنه بالأخاديد فخدت، ثم أمر بها فملئت حطباً، ثم أمر بإيقادها فأوقدت، ثم أمر بإلقائهم في هذه النار، وذلك لعظم بدعتهم والعياذ بالله؛ لأنها ضد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام تماماً، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه، فقال: لو كنت علياً لقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، ولما أحرقتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يعذب بالنار إلا الله) ، فبلغ ذلك علياً فقال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات! والعيب لا شك أنه يستقبح ذكره.
لغة النقص في الأسماء الستة
قوله: (والنقص في هذا الأخير أحسن) الأخير هو (هن)، ومعنى النقص أن تعربه بحركات ظاهرة على آخره، فتقول: هذا هنك، واجتنب هنك، وتفكر في هنك، فتعربه بالحركات الظاهرة. وإذا كان هذا هو الأحسن
فالأحسن أن نخرجه من الأسماء الستة، وتكون الأسماء خمسة كما هو معروف عند ابن آجروم وغيره. قوله: (وفي أب وتالييه يندر) الضمير في (يندر) يعود على النقص، وتاليا أب هما: أخ وحم. يعني أن النقص يندر فيها، أي يقل. والنقص هو أن تعرب بحركات ظاهرة على آخرها، فترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتجر بالكسرة، وعلى ذلك قال الشاعر:
بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم
ولم يقل: بأبيه اقتدى، ولم يقل: ومن يشابه أباه. وتقول: هذا أخ زيد ، ورأيت أخ زيد، ومررت بأخ زيد، والظاهر أن لغتنا العامية على هذه اللغة!
لغة القصر في الأسماء الستة
قوله: (وقصرها) أي: قصر أب وتالييه (من نقصهن أشهر) أي: أشهر من نقصهن. عرفنا أن (أب وأخ وحم) يجوز فيها ثلاث لغات: الإتمام والنقص والقصر. الإتمام: هو أن ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء. والنقص: أن ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالكسرة. والقصر: أن تكون بالألف دائماً، فتعرب بحركات مقدرة على الألف. وعلى لغة القصر تقول: هذا أبا زيد، ورأيت أبا زيد، ومررت بأبا زيد، وعلى هذا جاء قول الشاعر:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها.
الشاهد في قوله: و(أبا أباها)، ولو أعربها بالحروف لقال: وأبا أبيها. وعلى لغة الإتمام نقول: هذا أبو زيد، وأكرمت أبا زيد، وعجبت من أبي زيد، فرفعناها بالواو، ونصبناها بالألف، وجررناها بالياء. والقصر لغة فصيحة. وعلى النقص: هذا أب زيد، وأكرمت أبَ زيد، وعجبت من أبِ زيد .
والذي يناسب الطلبة المبتدئين القصر؛ حتى لا يغلطوا.
الشّريط الخامس من شرح الشّيخ الصّالح العُثيمين لألفيّة ابنِ مالك ..
__________________
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)