و اذ ما تكلمنا عن مصطفي كامل لابد لنا الان من ان نتكلم عن خليفته في مقاومة الاحتلال محمد فريد
دور محمد فريد في الكفاح ضد الانجليز
محمد فريد هو الذي أكمل الطريق الذي بدأه مصطفي كامل و قد ولد في يناير 1868م و كان والده أحمد فريد باشا من الأغنياء فكان ناظر للدائرة السنية و كان له مركز كبير. و علي الرغم من الأسرة المرفهة التي ولد فيها محمد فريد إلا انه أخد يكافح ضد الاحتلال.
كان والده يعده لتقلد المناصب العليا في الدولة. فبعد حصوله علي الحقوق 1887م ألحقه والده بوظيفة مترجم للدائرة السنية. وأخذ يتدرج في المناصب حتى أصبح وكيل لنيابة الاستئناف.
بدأت النزعة الوطنية تظهر عند محمد فريد و أخد يتعرف علي تاريخ مصر و بدا في تأليف الكتب و كتابة بعض المقالات في المجلات و الصحف. و بدا يبدو أمام الانجليز انه لا يقبل وجودهم في مصر.
و ما لبس أن اصطدم محمد فريد بالانجليز في قضية التلغرافات حيث انه في هذه القضية اتهم الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد بإذاعة أسرار وزارة الحربية و نشرها في صحيفته فتم تقديمه للمحاكمة و في ذلك الوقت كان محمد فريد وكيل لنيابة الاستئناف و كان يجهر بميوله الوطنية و يعلن عن تعاطفه مع هذه القضية و معارضته لسياسة الاحتلال لذلك قررت الحكومة نقله إلي مغاغة قبل نظر القضية أمام محكمة الاستئناف و اعتبر محمد فريد هذا إهانة لكرامته و فضل الاستقالة لكي يتفرغ إلي الجهاد ضد الاحتلال.
و بعد تقديم محمد فريد لاستقالته انتظم في سلك المحاماه تلك الوظيفة التي اقتصرت علي طبقة الشعب الوسطي الذين لا يستطيعون العمل في منصب حكومي و كان يعد أول فرد من الطبقة المرفهة يعمل في مهنة المحاماه.
بدا محمد فريد يتصل بمصطفي كامل منذ 1893م و بدا يحدث اتفاق و علاقة صداقة قوية و أصبح محمد فريد ملازم لمصطفي كامل في جميع أموره. و كان محمد فريد يقدم الدعم المادي لمصطفي كامل. وفي وقت سفر مصطفي كامل كان محمد فريد ينوب عنه في الإشراف علي جريدة اللواء و الجريدتين الأجنبيتين. وبعد الإعلان عن الحزب الوطني تم تعيينه كوكيل للحزب الوطني و أوصي مصطفي كامل بتعيينه رئيس للحزب بعد وفاته.
و بعد وفاه مصطفي كامل 1908م تولي محمد فريد رئاسة الحزب الوطني وحده. و بدا يقود الحركة الوطنية إلا أن الظروف التي كان يعمل فيها محمد فريد أصعب من الظروف التي كان يعمل فيها مصطفي كامل , حيث أدركت انجلترا الدور الذي تلعبه الحركة الوطنية في التنديد بالاحتلال البريطاني و خاصة بعد أن استطاع مصطفي كامل أن يرغمهم علي بعض الأشياء مثل ما حدث بعد حادثة دنشواي, و سياسة الوفاق بين المعتمد البريطاني و الخديوي و سبقه عدة مراحل :
أولا: عندما جاء عباس حلمي إلي مصر كان عمره 18 عام فوجد أن اللورد كرومر هو صاحب السلطة الفعلية في البلاد فكان هناك خلاف دائم مع اللورد كرومر و كان يناصر مصطفي كامل و يمده بالأموال.
ثانيا: بعد الاتفاق الودي بين انجلترا و فرنسا التزم سياسة الصمت.
ثالثا: بعد حادثة دنشواي و فضح مصطفي كامل لسياسة الانجليز في مصر تم عزل اللورد كرومر و تعيين السير ألدون جورست , أعلن الخديوي أنه لا يعمل ضد الاحتلال البريطاني و أعلن تعاونه مع السير ألدون جورست حتى يشاركه الحكم.
بعد وفاه مصطفي كامل زار الخديوي عباس حلمي لندن و كان يرافقه بطرس غالي باشا الذي وضع السياسة التي يسير عليها الوفاق. و بعد عودته أعلن انضمامه إلي الاحتلال البريطاني في مواجهه الحركة الوطنية.
هذا و عندما تولي محمد فريد رئاسة الحزب الوطني أرسل مذكرة للمعتمد البريطاني يندد فيها بسياسة الاحتلال. و مذكرة للخديوي عباس حلمي لإعادة الحياة النيابية مرة ثانية.
هذا و قد استهدفت الحركة الوطنية في هذه المرحلة محاربة السلطتين:
1)السلطة الفعلية : سلطة الاحتلال
2)السلطة التشريعية : سلطة الخديوي و الوزراء
في ذلك الوقت كان بطرس غالي هو رئيس الوزراء و الذي وضع سياسة الوفاق و أطلق عليها وزارة الوفاق الودي و تولي الوزارة خلفا له مصطفي فهمي الذي ظل في الوزارة 13 عام و كان عروسة في يد الاحتلال يحركها كيفما شاء.
أول عمل قامت به الوزارة لقمع الحركة الوطنية هو إصدار قرار وزاري بإعادة العمل بقانون المطبوعات ذلك القانون الذي يعطي السلطة لوزارة الداخلية في مصادرة أي صحيفة و تعطيلها بصفة مؤقتة أو دائمة دون محاكمة , فكان ذلك من العوامل التي وجهت ضربة للحركة الوطنية و هو ما يعبر عن التكاتف بين الخديوي و الحكومة , و الخديوي و الاحتلال. مما أدي للقيام بثورة في الشوارع و مظاهرات و حدث صدام بين الشباب المصري و البوليس برئاسة المفتش الانجليزي.
و أول شيء عمله هذا القانون هو حبس الشيخ عبد العزيز جاويش حيث كتب مقالة في جريدة اللواء في ذكري حادثة دنشواي فاعتبرها الاحتلال أنها ضده و تم حبسه لمدة 6 اشهر و إرسال إنذار إلي جريدة اللواء. فبدا دور الصحافة يقل و يخاف أي صحفي و يفكر جيدا قبل أن يكتب.
الوسائل التي استخدمها محمد فريد :
بالإضافة لإتباع محمد فريد لسياسة مصطفي كامل من كتابة في الصحف و المجلات و تأليف الكتب و إرسال مذكرات الاحتجاج علي وجود الاحتلال البريطاني في مصر, و إرسال مذكرات إلي الخديوي لإعادة الحياة النيابية إلا أن محمد فريد برع في عدة وسائل منها :
1)عقد المؤتمرات الوطنية :
فكان يراها محمد فريد خير وسيلة لتعريف الشعب المصري و الدول الخارجية في نفس الوقت بمساوئ الاحتلال. و تنمية الروح الوطنية لدي المصريين و مناهضة الاحتلال. و كان يشارك في أي مؤتمر يعقد. و لم يكتفي بعقدها في مصر فقط و لكن في الدول الأوروبية أيضا و من أهم هذه المؤتمرات :
أ)مؤتمر الشبيبة بجينيف سبتمبر 1909م:
و قد نظم هذا المؤتمر لجنة من الشباب الوطنيين و كان الحزب الوطني متمثل في جريدة اللواء يدعم هذا المؤتمر و حث المصريين القادرين ماديا علي الاشتراك في هذا المؤتمر.
ب) مؤتمر السلام العالمي باستكهولم 1910م:
هذا المؤتمر كان يعقد بصفة دورية لذلك قرر محمد فريد الاشتراك فيه لعرض القضية المصرية و التنديد بالاحتلال و مساوئه و بالفعل بدا العالم الأوروبي يهتم بالقضية المصرية و يعتبرون مصر من الدول التي تعاني من مساوئ الاحتلال.
ج) المؤتمر الوطني في بروكسل سبتمبر 1910م:
و الذي يعتبر من أهم المؤتمرات و قد كان مقرر لهذا المؤتمر أن يعقد في باريس و كان الغرض منه هو فضح سياسة الانجليز في العالم كله. و قبل انعقاد المؤتمر بأسبوع رفضت فرنسا بحجة الوفاق الموجود بين انجلترا و فرنسا و الذي لا يبيح لها عقد مؤتمر من شأنه التنديد بسياسة الانجليز. فقام محمد فريد بنقل المشاركين في هذا المؤتمر علي حسابه الخاص إلي بروكسل بالقطار و تم عقد المؤتمر و أستمر لمدة 3 أيام تناقلت الصحف ما قيل في هذا المؤتمر و في النهاية تم الوصول إلي 4 قرارات تتمثل في:
1)عدم شرعية الاحتلال البريطاني و ضرورة الجلاء عن مصر.
2)رد العمل بالدستور مرة ثانية إلي مصر.
3)بطلان اتفاقية السودان:
حيث انه تم توقيع اتفاقية 1899م وافق عليها بطرس غالي تقتضي بأن تكون السودان شراكة بين مصر و انجلترا ظاهريا و في الحقيقة تكون خاضعة للسيطرة الانجليزية و تصبح جزء من مستعمرتها. فكان من أهم مطالب محمد فريد هو بطلان اتفاقية السودان و ليس إلغاءها حيث أن السودان جزء من أملاك محمد علي وفقا لاتفاقية لندن.
4)إلغاء قانون المطبوعات / قانون النفي الإداري / قانون الاتفاق الجنائي.
قانون المطبوعات : يعطي السلطة لوزارة الداخلية في مصادرة أي صحيفة أو تعطيلها بصفة مؤقتة أو دائمة دون محاكمة أو دفاع.
قانون النفي الإداري : يعطي الحق السلطة الإدارية في نفي أي شخص تري الحكومة انه خطر علي الأمن العام إلي جهة نائية بالقطر المصري و غالبا الواحات الداخلية.
قانون الاتفاق الجنائي : يعني تحويل أي جنحة إلي جناية و الحكم مباشرة.
2) استغلال السجن في تقوية نفسه :
فكان هناك شخص يدعي الشيخ علي كان شاعرا يتكلم عن مصر و يدعو المصريين إلي أن يكون عندهم وعي قومي عن طريق قصائد الشعر, ثم قرر جمع جميع القصائد الوطنية التي كتبها في ديوان و طلب من الشيخ عبد العزيز جاويش مقدمة لهذا الكتاب. و بالفعل كتب الشيخ جاويش مقدمة لهذا الكتاب. و كذلك محمد فريد الذي كتب مقدمة لهذا الكتاب تتحدث عن تأثير الشعر في تربية الامم. و عندما نزل الكتاب و رأت الحكومة ما كتبه محمد فريد و الشيخ جاويش و رأت التأثير الكبير لمحمد فريد في ذلك الوقت فاستغلت ذلك و قامت بالقبض علي الشيخ جاويش بتهمة التحريض علي ارتكاب الجرائم و تم حبسه لمدة 3 أشهر, و كان محمد فريد موجود في ذلك الوقت في بروكسل و عندما رجع من بروكسل تم تقديمه إلي محاكمة بنفس التهمة و تم الحكم عليه بالحبس مدة 6 أشهر علي الرغم من أن الاثنين لهم نفس التهمة.
فأستغل محمد فريد هذه المدة في تقوية نفسه حتى يكون أشد في مواجهة الاحتلال و ذلك عن طريق قراءة القران و قراءة الكتب و تعلم لغة جديدة هي الألمانية حتى يأخذ الألمان في صف مصر و خاصة أنها كانت ضد الانجليز.
3) إدخال فكر جديد في مصر : أ) مدارس ليلية ب) نقابات العمال
فكان من ضمن السياسات التي عمل بها هو إدخال فكر جديد في مصر و هو تثقيف الشعب المصري حيث بدا بطبقة العمال و قام بإنشاء مدارس ليلية (لأنهم يعملون طوال النهار) وذلك لتعليم العمال و كان شباب الحزب الوطني هو المشرف علي هذه المدرسة. و كانت أول مدرسة أنشأت في بولاق و أشترك فيها العديد من العمال ثم بدأت هذه المدارس تنتشر في العديد من الأماكن لمحو أمية العمال.
أنشاء نقابات للعمال : فكان محمد فريد يسعيا لي وضع تشريعات لطبقة العمال و العناية بشئونهم فبدا يفهمهم أن كل طائفة من العمال لها نقابة تدافع عن مصالحها حتى يكون هناك وعي قومي و أول نقابة أنشأت في بولاق. و كانت تضم العمال أصحاب الحرف اليدوية و بدأت تنتشر فكرة إنشاء هذه النقابات في الإسكندرية و الدقهلية و طنطا.
لعب دور كبير في وقف مد عقد امتياز قناة السويس :
أرادت الحكومة المصرية الحصول علي أموال إضافية فبدا يحدث مداولات لمد عقد امتياز قناة السويس لمدة 40 سنة أي من 1968- 2008.
و كانت المفاوضات تعقد في سرية تامة و ظلت لمدة سنة في سرية إلا أن محمد فريد استطاع أن يحصل علي نسخة من هذا المشروع و فداحة تنفيذه و أرسلت برقيات للحكومة و للمعتمد البريطاني من قبل محمد فريد تفيد بأن كل فئات الشعب غير موافقة علي هذا المشروع , فبدأت الحكومة تخاف.
و في ذلك الوقت أرادت الحكومة أن تلهي المصريين في أي شيء فأعلنت أن المجالس التي وضعت في القانون النظامي ستصبح جلساتها معلنة و غير سرية و في نفس الوقت من حق مجلس شوري القوانين مسائلة مجلس النظار, و تم تعيين الأمير حسين كامل رئيسا لمجلس شوري القوانين. ثم جاء محمد فريد و فرض علي الحكومة عرض هذا المشروع علي الجمعية العمومية و قبل انعقاد الجمعية العمومية تم سؤال الحكومة هل رأي الجمعية سيكون قطعي أم لا و في هذا الوقت قتل بطرس باشا غالي , و جاء محمد سعيد باشا. و لم توافق الجمعية علي هذا المشروع.
يرجع إليه الفضل في إعادة الوحدة الوطنية مرة ثانية :
أرادت انجلترا استغلال قتل بطرس غالي في عمل فتنة طائفة بين المسلمين و المسيحيين حتى ينشغلوا عن الحركة الوطنية. و قالت أن بطرس غالي قتل لأنه مسيحي علي يد أحد شباب الحزب الوطني (مسلم). قام الأقباط بعمل مؤتمر في أسيوط تحدثوا فيه علي عدم التفاهم بين المسلمين و المسيحيين ورد المسلمين بمؤتمر مماثل. و كان محمد فريد في هذا الوقت في السجن و بعد خروجه أعاد الوحدة الوطنية مرة ثانية
رد مع اقتباس